إكثار الزيتون بالعقل الغضةإعدادالمهندس الزراعي: أحمد عبد الحميد الشيخ يوسف 1- مقدمة شجرة الزيتون قديمة قدم التاريخ وهي معروفة منذ نشأة حضارات شعوب البحر الأبيض المتوسط، وقدستها جميع الأديان السماوية والشعوب المتوسطية، ولعبت دوراً كبيراً في تغذية الإنسان وعلاجه وتأمين الإضاءة إليه خلال عصور طويلة. ورغم تناقص دورها حالياً للنهضة الحاصلة في إنتاج زيوت نباتية مختلفة ونجاح زراعات أكثر اقتصادية في بعض انتشار الزيتون القابلة للري إلا أن الإيمان بغزارة عطائها لايزال كبيراً بدليل شدة الإقبال على زراعتها في مواقع بعلية واسعة صالحة للتشجير في الوطن العربي عامةً وفي القطر السوري خاصةً.
2- أهمية زراعة الزيتون في العالم:نظراً لأهمية زراعة الزيتون فلقد ازداد عدد أشجار الزيتون المزروعة في العالم حتى عام 1970 عن /800/ مليون شجرة محتلة حوالي 10 مليون هكتار ويتمركز 98% من بساتين الزيتون في دول البحر المتوسط مما يتضح أهمية هذه الزراعة في هذه الدول، وتنتشر زراعة الزيتون خارج منطقة المتوسط وضمن حدود ضيقة 2% من مجموع المساحة في كل من الأرجنتين والبيرو والبرازيل والمكسيك والولايات المتحدة، كما ثبت نجاح زراعتها في إيران وأفغانستان والباكستان واليابان فضلاً عن انتشار زراعتها في جنوب أفريقيا وجنوب شرق أستراليا.
وتشير الإحصائيات المتوفرة لدى منظمة الأغذية والزراعة حتى عام 1969- 1970 إن انتشار زراعة الزيتون في العالم هي كالآتي:
اسم البلد المساحة/هكتار العدد/مليون
إسبانيا 2340.000 200
إيطاليا 2250.000 185
فرنسا 41000 5.650
قبرص - 2.450
فلسطين المحتلة 1100 1.130
لبنان 26800 5.260
يوغوسلافيا 34000 5
الجزائر 127000 10
اليونان 522000 97
الأردن - 11
المغرب 220.000 11
البرتغال 1110.000 50
سوريا 142000 18.8
تونس 1240.000 52
تركيا 723000 72
هذا وتلعب زراعة الزيتون دوراً هاماً في اقتصاد وحياة شعوب البحر المتوسط خاصةً لمساهمتها في الاستفادة من أراض واسعة لا يمكن الاستفادة منها بصورة أفضل من زراعات أخرى فضلاً عن إنجاح زراعة الزيتون في مختلف أنواع التربة حتى الضعيفة منها ولو كان مردودها محدوداً إضافة لما تقدمه هذه الشجرة من حماية التربة من الانجراف.
وإذا أضفنا أن هنالك مناطق زيتونية يكاد يقتصر دخلها على زراعة الزيتون وتصنيعه وما تعطيه هذه الزراعة من تحقيق عمل لطبقات عمالية واسعة في مجال خدمة البساتين والقطاف ونقل المحصول وتأسيس معاصر الزيتون وتكرير الزيت وتصنيع الخوص وحفظ المحصول وتخزينه وتعليبه والتجارة به لأدركنا مدى الأهمية البالغة التي تلعبها زراعة الزيتون في العديد من المناطق.
ويقدر إنتاج الزيت في العالم بحوالي مليون طن ونصف من الزيت والذي يمثل حوالي 5% من إنتاج الزيت العالمي، غير أنه رغم الهجمة الكبيرة التي تمارسها الزيوت النباتية المختلفة بسبب تدني أسعارها بالمقارنة مع زيت الزيتون، إلا أن الصفات البيولوجية لهذا الزيت واحتوائه على مواد عطرية مميزة تجعل الزيوت الجيدة منه أو التي يجري تكريرها ومزجها بزيوت بكر مرغوبة في الأسواق العالمية ويدعم ذلك تعلق شعوب البحر المتوسط وعبر العصور الغابرة باستهلاك زيت الزيتون.
لذلك لاتزال زراعة الزيتون آخذة بالتوسع رغم ارتفاع أجور مختلف العمليات الزراعية وخاصة القطاف والتي بلغت في كثير من البلدان ما يزيد عن 50% من إجمالي الكلفة حيث يأخذ هذا التوسع شكل الزراعة الكثيفة في البلدان المتطورة بأوروبا خاصة والتي يتمركز فيها 72% من زراعة الزيتون في العالم. وإن مثل هذا التوسع يصل إلى نسبة 0.8- 1.3% في بلدان اسبانيا ومن 0.5- 9% في بلد كإيطاليا في حين تصبح زراعة الزيتون في المناطق الشديدة الميل خارجة عن زراعة الزيتون أما في البلاد العربية و تركيا والتي ينتشر فيها 28% من أشجار الزيتون فإن التوسع يأخذ نسباً متباينة تقدر بـ 1.4% كتوسع ضعيف و 2.1% كتوسع جيد.
أما في القطر العربي السوري والذي بلغ عدد أشجار الزيتون فيه ما يزيد عن 28 مليون شجرة عام83- 1984 فإن نسبة التوسع تقدر بحوالي مليون شجرة سنوياً والتي تمثل زيادة سنوية بنسبة 3.6% وهي كبيرة جداً بالمقارنة مع باقي الدول المهتمة بزراعة الزيتون، وهذا يد على أن القطر يحتل حالياً أعلى نسبة توسع في مجال هذه الزراعة.
3- لمحة عن طرق إكثار الزيتون في دول البحر المتوسطمازالت الطرق التقليدية المعروفة لإكثار الزيتون في دول البحر المتوسط متبعة حتى هذا التاريخ وهي إكثار الزيتون بواسطة العقل الخشبية (أجزاء خشبية من الفروع بطول 30- 40 سم وقطر 5-7 سم) وهي معروفة بإسبانيا والمغرب خاصةً، وقد تطورت هذه الطريقة للإكثار بواسطة عقل خشبية صغيرة مزروعة ضمن أكياس بلاستيكية في بلاد المغرب، أما الإكثار بالقرمة (وزن 5-8 كغ للقرمة الواحدة) فهي معروفة كطريقة إكثار في سورية وتونس وتركيا واليونان، وقد تطور الإكثار بالقرمة الصغيرة ضمن أكياس بلاستيكية في اليونان خاصةً وعلى نطاق محدود في القطر. أما في إيطاليا فقد كانت طريقة الإكثار بزراعة البذور والتطعيم سائدة حتى عام 1960 وهي معروفة في قطرنا ومعظم دول البحر المتوسط على نطاق محدود.
ومنذ ذلك التاريخ أخذت طريقة الإكثار بالعقل الغضة تزداد تدريجياً وخاصةً بعد إثبات نجاح هذه الطريقة في الولايات المتحدة منذ عام 1954 وذلك نتيجة معاملة قاعدة العقل بمواد هرمونية خاصة وتجذيرها في بيوت زجاجية أو بلاستيكية مكيفة أو حتى في الهواء الطلق ضمن ظروف خاصة، ويعود اعتماد هذه الطريقة لبساطتها وقصر الفترة الزمنية لإنتاج الغراس وقلة التكاليف بالمقارنة مع الطريقة البذرية والتطعيم وكون مساحة بساتين الأمهات المخصصة لغرض تأمين العقل محدودة إذا ما قيست بالمصدر الواسع والواجب اللجوء إليه من مختلف البساتين في حال تأمين الإكثار بواسطة القرم أو العقل الخشبية خاصةً. وأول ما يتبادر إلى الذهن استحالة تأمين الانتخاب الوراثي للأصناف الجيدة في حال الاعتماد على الإكثار بالقرم أو العقل الخشبية بل بالعكس يبدو أنه انتشار الصفات المتدهورة للأصناف والمصاب منها بسل الزيتون خاصةً أمراً لا يمكن تجنبه فضلاً عن صعوبة قلع القرم ونقلها والأذى الذي تلحقه بالأشجار التي تنزع منها هذه القرم، بينما يمكن تأمين العدد المطلوب من العقل الغضة كالإكثار بالتطعيم من بساتين محدودة مزروعة بكثافة عالية من أصناف أو سلالات ثبت تفوقها.
لذلك لجأت مختلف دول البحر المتوسط لاعتماد هذه الطريقة تدريجياً، وهذا ما برر لوزارة الزراعة في القطر العربي السوري تأسيس ثلاثة بيوت زجاجية بمساحة 1000 م2 للبيت الواحد لإكثار الزيتون بالعقل الغضة اعتباراً من مطلع 1980 في محافظات اللاذقية ودرعا وحلب. وانطلاقاً من الطلب المتزايد على غراس الزيتون في القطر ونظراً للنتائج الباهرة التي تم التوصل إليها في البيوت القائمة فقد تم التعاقد على تركيب بيتين زجاجيين خلال عام 1984 لإكثار عقل الزيتون.
وأخيراً فإن تطور طرق إكثار الزيتون في العالم لم يقف عند هذا الحد بل إن الدراسات والأبحاث مستمرة بهدف زيادة المردود وتقليل كلف هذه العمليات وأصبح الإكثار يتم ضمن أنفاق بلاستيكية ضمن البيت الزجاجي أو خارجه بهدف تقليل كلف الإكثار واتجه الإكثار الخضري ضمن صناديق خاصة مدفأة كهربائياً وأخيراً أصبح الإكثار يتم بالخلية الميريستيمية، وهذه الطريقة فتحت آفاقاً أفضل لإكثار هذا الصنف أو بالأحرى لإكثار هذه الشجرة المرغوبة على نطاق واسع بفترة زمنية قصيرة وضمان خلو الأجزاء المتكاثرة من أية إصابة مرضية
4- تقنية إكثار الزيتون بواسطة العقل الغضة:4-1 المبادئ الفيزيولوجية لضمان نجاح تجذير الزيتون بواسطة العقل الغضة:تتعرض العقل (نموات سنوية) بعد قصها عن الأشجار وإعدادها إلى تفاعلات حيوية شبيهة بالتي تحدث في الأغصان الموجودة على الأشجار مثل التنفس والتعرق والاستقلاب فإذا كان الوسط الذي توضع فيه هذه العقل غير ملائم لاستمرار حيويتها سرعان ما يلاحظ عليها أثر الجفاف نتيجة التعرق المستمر بالرغم مما تبديه الأوراق من مقاومة للجفاف بتضييق عدساتها ولاتلبث تلك العقل أن تموت بسرعة لشدة ارتفاع الحرارة وجفاف الهواء هذا ويستند المبدأ الفيزيولوجي لاستمرار حيوية العقل لفترة طويلة من الزمن بأن توضع في وسط مشبع بالرطوبة وذو حرارة وسطوع محدودين بقصد منع التعرق لأقصى حد ممكن ودليل ذلك بقاء الأوراق خضراء دون أن يظهر عليها أي تغيير في لونها أو سقوط أوراقها أو زيادة انحناء حوافها وإن مثل هذا الوسط للحفاظ على المجموع الخضري للعقل يتحقق في جو اصطناعي يمكن توفيره في بيوت زجاجية مكيفة (ري ضبابي، تبريد، تهوية، تحكم بالحرارة.. الخ) أو في صناديق مغطاة ببلاستيك بشكل مستمر ويجري تدفئة وسط التجذير فيها كهربائياً.
أما المبدأ الفيزيولوجي الذي يستند إلى تنبيه العقل فهو سهل في بعض الأنواع وصعب في أنواع أخرى رغم وضعها في وسط ملائم للتجذير، غير أن كفاءة التجذير تصبح عالية نتيجة معاملة هذه العقل بمواد هرمونية خاصة.
ويبدو جلياً أن وضع عقل الزيتون في مثل هذه الظروف الاصطناعية ترفع نسبة التجذير فيها لمستويات تختلف حسب الأصناف ومواعيد التعقيل وشكل ونوع المعاملة الهرمونية وحرارة وسط التجذير.. الخ.
يتبع................